Tuesday, December 25, 2012

بــكــل قـــوتـــي


 و رغم أنني كسولة ... إلا أن الكسل ليس من أسباب قلة الكتابة . و رغم أنني أقضي وقت طويل في التفكير ، أرتب الأشياء و أقلبها يميناً و يساراً و أطبقها و أرصها فوق بعضها في رأسي، و رغم أنني أملك الأفكار ، و الاستعداد ، و الوقت ... إلا إنني دائماً أبخل بالكتابة على نفسي ... أظن أنني أعاني من مرض خطير له أعراض كثيرة قد تبدو مجرد مصادفات ، لكن في ذهني أرى الروابط التي تصل بين كل شيء يطرأ عليّ
...

 أشعر أنني أتخفى من شيءِ ما. كأنني تسببتُ في كارثة لم يعلم بها أحد بعد. أبخل بكل ما قد يسهِل على الآخرين فهم ما يدور في رأسي - تكون الكلمات على طرف لساني ، ثم أقرر أن أحتفظ بها لنفسي . أتجنب الأحدايث الحقيقية مع مـَن حولي ... أنسجم تماماً في التفاهات ، و احسن سماع من يتحدثون إليَ من قلوبهم و أمنحهم من سعة صدري ، لكن في الحقيقة ما أريده منهم هو أن يستمروا في الحديث دون توقف ، كي لا يلتفت أحد إليّ و يسألني عني   

و أنام دون أن أحلم . و حينما أحلم أجد نفسي في محنة ما و أحاول الخروج منها ، و عادة ما يحدث و أخرج منها بالكثير من الحظ السعيد ... إلا أنني طوال الحلم لا ينقبض قلبي ، و لا أسعد تماماً بانفراج الغمة

و أصمت طويلاً أمام كل ما يثير غيظي و ابتسم ابتسامات صفراء و كأنني في انتظار حدوث ما هو أسوأ ... و يلحظ ذلك من يعرفوني جيداً ، و رغم أنه قد يبدو كأحد مظاهر النضج أو التعقُّل ربما ... إلا إنني أعرف نفسي جيداً ، و أعرف أن الأمر ليس كذلك . الأمر أقرب لمحاولة اختبار نفسي حتى آخر مراحل تحمل الآخرين . و كأنني أحاول أن أستفز نفسي كي أفشل في هذا الاختبار

  و لم أعد آكل بنفس شهيتي المفتوحة ... أظن أنني أعاني من مرض خطير

...

حقيقة الأمر هي أنني أظن أنني منخرطة في أموري أكثر مما ينبغي ... و أن كل هذه الطاقة التي تتفجر في ذهني دائماً بحاجة لأن تتسرب في اتجاه شيئاً أخر لا يخصني

 أتمنى أن أكوِّر عقلي في يدي و أقذفه بعيداً بكل قوتي و أنا واقفة في مكان مزدحم ... و أتركه لمن سيسقط عليه ليستخدمه قليلاً ، و ربما سيمكنه من أن يرتب الأشياء و يقلبها يميناً و يساراً و يطبقها و يرصها فوق بعضها في رأسه

أما أنا ... فأحتاج بعض السلام . بعيداً عن كل هذا التفكير ، كل هذه الساعات المنهكة التي تمضي عليَّ و أنا أفكر . أتمنى أن يعود إليَّ هذا التصرف البريء الذي لم أملك القدرة يوماً على السيطرة عليه ... في أن أمد يدي إلى رغيف الخبز الطازج و أقطع منه بيدي و آكل و أنا أنفخ من فمي دخان حرارته قبل أن تلهب فمي ... حتى و إن لم أكن جائعة
 

Tuesday, October 9, 2012

تـلـك الأفـكـار الجـديـدة


و في أوقات مثل هذه أجده محدقاً فيّ عيناً بعين. تاركاً لي الاختيار - بيني و بينـِك بضع خطوات ، تقدَّمي و سأتقدَّم
  ...

مؤخراً فقط وجدتني أفاجئ نفسي بأفكاراً جديدة عليّ - أفكر في أنني سأعيش عمراً مديداً ، و سأكون من هؤلاء السيدات المسنات كثيري الحركة ، عاليات الصوت ، المفرطات في النحافة. قد أبلغ التسعينات ، و قد أظل باحثة عن الخبرات - خبرات صغيرة لا تختلف كثيراً عن خبراتي الآن . و سأكون قد مضيتُ عمراً يبدو طويلاً لكنه لا يضم أحداثاً و أزمات مضنية باستثناء أنني سأكون موجودةً عندما يذهب الآخرون بلا عودة. و أظن أنني سأظل أفكر في الحياة الهادئة المستقرة المرضية لي ... و كأنها شيئاً سيحدث فيما بعد

لا أفكر كثيراً في الوقت حالياً ، و أشعر أنني لم يزل لدي الكثير منه . فأقضيه في أبطأ وسائل المواصلات العامة - أركب الترام في الاسكندرية ، و المترو (الذي يشبه الترام) في مصر الجديدة. و الأوتوبيس الأحمر في الاسكندرية ، و الأوتوبيس الأخضر (الذي يعلق في أزمات المرور بالساعات) بين مدينة نصر و التحرير . أفكر في كل الأغنيات الطويلة التي تسليني ، و في المساحة الخالية على جهاز الـ آي بود الصغير الذي أملكه ، أفكر في كل الأهل و الأصدقاء الذين أتمنى يوماً أن أذهب و أقابلهم ، و أفكر في أن أدعوهم على الغذاء ، أطهو لهم وجبة خفيفة و جميلة ، و نجلس و نتحدث طويلاً حديثاً نقياً ، لا شوائب فيه ، و لا رسائل من تحت الترابيزات

أفكر في أبي ، و أنه قريباً سيتقاعد ، و أن كل شيء سيختلف بالنسبة لي وقتها ، و أنني سأشبع أبوة أخيراً . و سأنال من الدلال الناضج من الآباء لبناتهم بعد أن صاروا كبيرات - آباء مثل أبي ، و بنات مثلي. عليَّ أن أفكر فيما سأستطيع أن أفعله من أجله هو و أمي كي يعيشا فترة تقاعد هادئة ، دون قلق أو خوف علينا

و أخص الرجل الذي أحب بفكرة أو اثنين ... و أرسل له الابتسامات في الهواء .و أرى أنني قد حدث لي ما سمعت عنه من الآخرين - أتمنى له السعادة ... فقط هكذا ، بدون عقد أو كليشيهات

تهرب مني الساعات و أنا أفكِّر
  ...

و في وقت مثل هذا أجده محدقاً فيّ عيناً بعين. تقدَّمي و سأتقدَّم . كل من تتمنين سماع أصواتهم ، و كل هؤلاء الذين تعلمين أنهم يتمنون سماع صوتك . كل ما عليك أن تفعليه. كل الأماكن التي تريدين رؤيتها . كل ساعات التي تنقضي و أنت تمشين من مكان إلى آخر ، كل الأغنيات التي تحبين ، كل الأفلام التي عليك أن تشاهديها ، الكتب بجوار سريرك التي لا تعلمي مصائر أبطالها بعد. ملابسك التي بحاجة للذهاب إلى الخياط كي تضيق ... طبق وجبة الغذاء المغطى بورق الألومنيوم الذي ينتظرك في الفرن

كل هذا من الممكن أن ينتهي ... باختيارك أن تتقدمي بضع خطوات

 ...


كل أسبوع ، أشعر بالموت يحدق فيّ و أنا أعبر الطريق ليلاً  من على يمين شارع عباس العقاد إلى يساره . و أضواء السيارات ترمقني و تمر من أمامي مسرعة ، كأنني علي أن أختار ... أي منهم ستكون أكثرهم رفقاً بي ؟

Friday, October 5, 2012

العلالي


لم أعد أشعر بأي كدمات أعلى رأسي ، لا يحدثني عنها الآخرون ، ولا أرى قلقهم حول كدماتهم هم شخصياً ... زال الألم ، زالت الصدمة الأولى ، لم يتبقى سوى تلك النظرة التي ترتسم على وجه من حرقت يدها في المطبخ بعد أن زال ألمها و فزعها و جلست تنظر للحرق على يدها

 أرى خيبة الأمل ظاهرة على وجوه الجميع ... لكن أرى أنهم ، على اختلاف شخصياتهم ، يظهرون خيبة أملهم كل بطريقته . البعض كثيرو الشكوى ، و البعض شديدو الفجاجة ، لكن أكثرهم استنزفهم الغضب و لم تعد تفوتهم فرصة للشماتة

 أما أنا ، فأميل إلى العزلة  ، و أنزوي في المناقشات و أنسحب منها بهدوء و لم أعد أرى جدوى من هدر طاقتي فيها. و لم أعد أشاهد التلفزيون ، و لم يعد استدراجي (أو محاولة استفزازي)  للحديث حول كل ماحدث سهلاً... أهم شيء أنني صرتُ أصدق أننا نصبح أكثر لطفاً بعد الكثير من الإحباطات

 صرتُ أتوجه بخالص اهتمامي و طاقتي في اتجاه كل ما أسميه "حقيقي" -  ترتيب دولابي ، أدراج شراباتي و ملابسي الداخلية و مستحضرات التجميل . أمسح المرايا . أعيد ترتيب المكتبة ، أفسح المجال لنفسي كي أجلس و أضع أغراضي في نظام . اشتريت أباجورة جديدة ، أقرأ كتباً جديدة ، أبتسم في وجه الأفكار الجديدة. و أطهو وصفات جديدة ... حتى أنني رتبتُ أسبوعي ترتيباً جديداً فيما يتعلق بمواعيد الجامعة. لم أعد أستطيع أن أميز بين ما هو طبيعي ، و ما هو غريب ، و ما هو عادل ، و ما هو غير مقبول ... صرتُ أتقبل كل شيء . كل ما أحتاجه هو عدة ساعات بمفردي في غرفتي كي أستعد لتفادي التذمر. غرفتي ، التي هيأتها كي تحتويني بالشكل الذي يرضيني

غرفتي ... عنبر البنات كما يقول لنا الجميع. أكبر غرفة بالمنزل. في الماضي كانت تحوي ثلاثة أسرَّة كبيرة و ثلاثة مكاتب لي و لأختيَّ ، قطعة موكيت حمراء على شكل قدم كبيرة ، سجادة زرقاء كبيرة مرسوم عليها ولد أصهب لديه نمش على خده يسبح في أعماق البحر.و دولاب كبير يصل للسقف للملابس الشتوية و الملابس الداخلية ، و ضلفة علوية لتخزين الوسادات و الملاءات و الأغطية ، و دولاب أصغر للملابس الصيفية. و هو نفس الدولاب الذي كان موجوداً في غرفة أمي و هي في مثل عمري . و كان دولاباً أقصر من الآخر ، و كنتُ أتسلق فوقه لأختبيء و أفاجئ إحدى أختيَّ ... و مع الوقت وضعتُ لنفسي الوسائد و المساند و بعض لعبي و بعض مجلات ميكي و جهاز الجيم بوي و أصبحتُ أقضي معظم وقتي فوق الدولاب . حتى أنني أحياناً كنتُ أحضر كتب و كراسات المدرسة و أؤدي الواجبات المدرسية في "العلالي" ... هكذا أطلقتُ على المكان بيني و بين نفسي

و لما كبرنا ، و كنتُ على مشارف دخول الجامعة ، جددنا الغرفة و تم التخلص من كل شيء. الأسرَّة ، المكاتب ، الدولاب الكبير بعد أن تهالك ... أما بالنسبة للعلالي فقد تم شحنه إلى المصيف الهادئ البعيد بعنبر البنات هناك ... بعد أن تم تلميعه و تجديده و تركيب مرآة جديدة داخل ضلفته. ولم يزل يحوي الملابس الصيفية بينما تستخدم الضلفة الأخرى لتخزين الأغطية و الوسادات . و في الدرج الوحيد أضع المايوهات و بونيهات السباحة و مستحضرات الحماية من حروق الشمس . و فوقه وضعتُ جهاز كاسيت ، و صندوق جهاز الريسيفر ، و مساحة فارغة أضع عليها حقيبتي التي أسافر بها إلى المصيف

مصيره أن يحمل بهجة الملابس الصيفية مع أمان و سكون الانعزال
 
و رغم أنني لم أعد أصعد للعلالي ، لكنني أتمكن من أن أوفر لنفسي تلك العزلة التي تبقيني هادئة و لطيفة ، غير سهلة التجريد من مواطن قوتي . لا أتوقف كثيراً أمام كل ما يحدث لي. قادرة على أن أُظهر خيبة أملي بتوجيه كل طاقتي نحو كل ما أراه حقيقي -  كترتيب دولابي ، أدراج شراباتي و ملابسي الداخلية ....  بلا شكوى ، و بلا فجاجة ، و بلا بحث عن فرص للشماتة
 
---
لوحة لـ مـيـريـت مـيـشـيـل

Sunday, September 16, 2012

رائحة الجوافة

 أشم رائحة الجوافة في كل شيء الآن ؛ و أنا أقطِّع الفلفل الأخضر صباحاً كي أعد لنفسي إفطاراً ساخناً من البيض الأومليت مع أصابع الخضروات - أصابع الخيار المقشرة بالملح و الفلفل و الليمون . أصابع الطماطم بالكمون و الليمون . و أصابع الفلفل الأخضر بالفلفل الأسود. الخبز المحمص ، و كوب الحليب المضاف إليه ملعقة كاكاو ممتلئة . أرفع يدي إلى أنفي ... أشم رائحة الجوافة

كان عليه أن يضع كيس الجوافة في حقيبة ظهري كي يتمكن من حمل باقي الأكياس . و حملتُ أنا زجاجة المياة و سلسلة مفاتيحه و موبايله و بعض أوراقه

الآن ... كل ما في حقيبتي ، كل ملابسي ، كل مناديلي ، كيس وسادتي ، الأستك الذي أربط به شعري ، الرائحة التي تصدر عن الأباجورة الجديدة ... حتى جهاز اللاب توب له رائحة الجوافة . قضيت الآن ساعات أعصر فيها في روحي كي تكتب عن كل شيء ، و أنتهيت بمقطعين قصيرين عن وجبة الإفطار المحببة لدي ، و رائحة الجوافة

 يمكنني الآن أن أقرن تلك الرائحة بالكثير المشاهد التي تبرق في الذهن دفعة مختزلة واحدة . بلا رغبة حقيقية في سرد القصص

Monday, August 13, 2012

الأقل مهارة

هنالك ما هو مخبى وراء كل معنى واضح . دائماً هنالك ثمة خدعة ... حيلة ما دائماً ما تنطلي عليَّ . و أتحايل عليها بفك الكثير من الشفرات - أبحث ، أنقـِّب ... ألهث وراء تاريخ و أصول الكلمات ... المعاني الحقيقية للأشياء

يرى ... رؤية ... فهو راءٍ
و الرؤية هي الرؤية بالنظر ... و أيضاً تعني الاعتقاد أو الرؤية بالقلب

و أنا أرى أنني لم أعد أرى .
أفتح عيني على اتساعها ، و تصدمني عدم قدرتي على الفهم فأغلقها و أنا واثقة في قلبي و يقظة حواسي الأخرى ... أتعثر بالأشياء و بالأسئلة - تأتيني كل الصور دفعة واحدة ، لا أتمكن من تجميعها ، أو التحايل عليها. فأنهزم سريعاً ، و أتراجع

لا شيء يصلح معي في هذه الأوقات سوى أن انتهى من الأمر كله مرة واحدة ... و أن أضع في رأسي أنني أصغر من تلك حيلة ، بكل بساطة ، و عليَّ أن أنسحب أمامها وأقبل بأن أكون الأقل مهارة

أنا لا أرى ... أنا فقط أنصتُ بيقظة شديدة و أضع قطع الأحجية أمامي دون تجميع معترفة و مسلـِّمة بعجزي

أحب أن أرى أنني لم أعد أرى ... 
ليست محاولة لعزاء نفسي ... لكنها قلة حيلة
على الأقل أنا أعلم أنه لا توجد معاني مخبأة في هذه الفكرة

Tuesday, June 26, 2012

الــتــَعــَجـُّـل


  "... و سيأتي العالم كله سيراً حتى باب بيتك"
رالف والدو إيمرسون
...

أنا أحب الجري ... و أقدر على قضاء أكثر من ساعة في الجري. الأمر يتعلق بمدى انشغال عقلي وقتها بأي شيء آخر غير الوقت و غير الطريق . و استغرب قليلاً عندما يبادرني الآخرين بالتعجب من المسافات التي أجريها ، و الوقت الطويل الذي أقضيه جرياً متواصلاً . أرى في الجري وقتاً هادئاً. و رغم طبيعة المشهد ، إلا إنني أقول أن أجمل ما في الجري ... عدم التعجـُّـل
 
أنا أتغيَّر ... 

دائماً الخطوة السريعة ، و المكالمات المختزلة ، و السلام و الحديث السريع المقتضب كانوا من صفاتي . لا أعلم سبب  أو مصدر اكتسبتُ منه هذه الصفات ، و كانت تعليقات الآخرين تأتيني امتعاضاً و إعجاباً. لكنني كنتُ أرى ذلك من تلقاء نفسي على أي حال ، و أجد فيه الراحة - أن أُسرِع  نحو نقطة ما ، و عندما أصل ، أُسرِع  في اتجاه نقطة أخرى أمشي أو أتحدث عنها ... أرتاح في الحديث السريع و الحركة السريعة

أرى الآن أنني كنتُ أحاول إكساب الأشياء أهمية أكبر من أهميتها الحقيقية ... و داخل عقلي ، مدى أهمية الأشياء بدأ في التشوُّش . قريباً فقط بدأ ينمو شيئاً في عقلي ، يجعلني أتوقف لحظات عن التفكير في كل شيء ، و يواجهني بالزمن الحقيقي المتوفر أمامي ، و بالحجم الحقيقي للأشياء التي أتحدث عنها . و بعدها بثوانِ ، أجدني أمهل من المشي ، و احتواء مزيد من الهواء ، أو الابتسام أكثر في وجه من أتحدث معه ، و النظر أكثر لوجهه

أنا متعجِّلة طوال الوقت الآن - تداهمني الدقائق ذهاباً للعمل ، أو للجامعة ، أو للرجل الذي أحب

و أنا أعتبر نفسي محظوظة بعملي ، و أجد نفسي من القليلات اللاتي يعملن شيئاً يحببنه ، و يستمتعن به كل يوم . و أنا أطير سعادةً بدراستي في الجامعة بكامل اختياري ... و أتعلَّم في كل مرة أشياءً علمت عقلي التواضع أمام كل ما لا أعرف عنه .و أنا أحب الرجل الذي أحب ... و أرى فيه الرجل الذي يستحق كل الطاقة الموجهة مني في اتجاهه . و أراه يعيدها بكرم في اتجاهي مرة أخرى مضاعفة و محمولة على الرأس

 لكن التعجل وراء الأشياء كاد يشتتني و يخطف مني الاستمتاع الحقيقي بكل ما أملكه . كدتُ أفقد اللون الحقيقي للأشياء ... و فجأة ألتفتُ لبراح الوقت المنتظر أمامي لفعل كل شيء ، و أنني يمكنني بهدوء أن أفعل كل شيء . دون السير بسرعة ، أو الحديث المباشر المقتضب
 
لم أعد أحب التعجـُّل ، و لم أعد أحاول إكساب أي شيء أفعله أهمية أكبر من حقيقته . و أرى أن التمهل أثناء الحديث أو السير نحو ما هو مهم ... يحببني فيه أكثر

أتمهل في السير ، و أنظر حولي في كل مكان كأنني أرى الأشياء لأول مرة ... و أرى أن الطريق يتحرَّك تحت قدمي بسلاسة و يقرَّب مني كل ما أحب
 

Monday, January 16, 2012

بدون ارتباك



ومازلتُ أقاوم ما تفعله بي الكدمة. و ألهث وراء كل فكرة مألوفة قادمة من الماضي .

***

غالباً ما أبدأ كل ما أكتبه بهذه الكلمة . و أشعر أن الكلمة تحبني ، و تنوي البقاء معي لوقت طويل . أنا أيضاً أحبها في قدرتها على مفاجأتي طوال الوقت .

اكتشفتُ أنني كنتُ أقوى في الماضي ، و كلما تتقدم بي السنوات أصير أكثر رهافة. يعجبني هذا . يعجبني جداً . و يضيف طعم ما على ما أفعله الآن بصعوبة بالغة ، بينما كنتُ أفعله و أنا طفلة بنفس السلاسة التي كنتُ أصنع بها بلونات اللبان الكبيرة

في الرابعة و العشرين عدتُ مرة أخرى للدراسة. دراسة شيءٍ أحبه. و لم أفكِّر يوماً أنني سأعود لدراسة أي شيء بعد انتهائي من الجامعة. و لم أتصوَّر أنني سأجد شيئاً أحبه ما فيه الكفاية كي يعيدني للدراسة. لكنني أرى أن الدراسة ، أو بالأحرى التعلُّم ، يحقق اتزاناً ما ، و يُسكِن هدوءً في العقل - يرتِّب الأشياء ، و يضع كلاً في مكانه

أعود بذاكرتي للوراء ، إلى الأوقات التي كانت المذاكرة فيها سبباً في أن أكُن ميَّالة لأبي أكثر من أمي ... من فرط الإكراه على المذاكرة الذي فعلته أمي باقتدار. و توقفت أمي عن دفعي في الصف الثالث الثانوي ... منذ سبع سنوات. منذ سبع سنوات فقط بدأتُ أفعلها بمفردي. و لم نكن ، أنا و أمي ، واعيتين لذلك وقتها ، لكن تغيَّرت أشياءً كثيرة بيني و بينها. بينما ظل كل شيءٍ في مكانه مع أبي

كنتُ أدبدب على الأرض ، و أقطع وعوداً و أقساماً مع نفسي على أنني بعد انتهائي من الجامعة لن أنظر للوراء. مهما حدث ... لن يعيدني شيئاً للدراسة و المذاكرة - الأمر يدعو للابتسام الآن

من قبل كنتُ أعلم مشكلاتي ، و هو ما كان يجعلني أجلس واثقة أمام أوراق الامتحانات أن المسألة كلها مسألة وقت ؛ على الوقت أن يكفينِ. لأنني إن كتبتُ بسرعة يدي العادية/السريعة ، لن يصبح خطي واضحاً بالمرة. كان ذلك هو مَبعَث القلق الوحيد

أما الآن ... و أنا في الرابعة و العشرين كنتُ أرتجف من الداخل لحظة وضع الورقة أمامي. أجزُّ على أسناني ، و أضمُّ ركبتيَّ على بعضهما ، و أقبض أصابع قدمي على بعضهم داخل حذائي. يمكن لأي حركة أن تشتت انتباهي. عليَّ أن أظلُّ ثابتة دون حركة. قابضة بإحكام على القلم في يدي

مستعدة في عقلي على أن أتجاهل أي شخص يصدر أي صوت أو يتحرك أي حركة ... أو يسقط منه أي شيء على الأرض. و كأنني أعلم أن كل هذه اختبارات حقيقية لقوة تركيزي

لم أكن هكذا من قبل ... الأمر أشبه بشيءٍ ينمو داخلك دون أن تدرى ، و يفاجئك و يظهر في وقته المناسب - كأن تكتشف فجأة أنك أفضل في الركوب العجل عما تتذكَّر

يعجبى هذا . و يجعلني أنظر لنفسي و أنا طفلة نظرة أخرى ، بها احترام ما ... لهذه الطفلة ، متوسطة القدرات ، التي كانت تعلم بالتحديد مشكلاتها أمام الامتحانات . و تجلس أمامها دون ارتباك

----
فوتوغرافيا : محمد درويش
https://www.facebook.com/pages/Mohamed-Darwish-Photography/314962041862672?ref=ts