و في أوقات مثل هذه أجده محدقاً فيّ عيناً بعين. تاركاً لي الاختيار - بيني و بينـِك بضع خطوات ، تقدَّمي و سأتقدَّم
...
مؤخراً فقط وجدتني أفاجئ نفسي بأفكاراً جديدة عليّ - أفكر في أنني سأعيش عمراً مديداً ، و سأكون من هؤلاء السيدات المسنات كثيري الحركة ، عاليات الصوت ، المفرطات في النحافة. قد أبلغ التسعينات ، و قد أظل باحثة عن الخبرات - خبرات صغيرة لا تختلف كثيراً عن خبراتي الآن . و سأكون قد مضيتُ عمراً يبدو طويلاً لكنه لا يضم أحداثاً و أزمات مضنية باستثناء أنني سأكون موجودةً عندما يذهب الآخرون بلا عودة. و أظن أنني سأظل أفكر في الحياة الهادئة المستقرة المرضية لي ... و كأنها شيئاً سيحدث فيما بعد
لا أفكر كثيراً في الوقت حالياً ، و أشعر أنني لم يزل لدي الكثير منه . فأقضيه في أبطأ وسائل المواصلات العامة - أركب الترام في الاسكندرية ، و المترو (الذي يشبه الترام) في مصر الجديدة. و الأوتوبيس الأحمر في الاسكندرية ، و الأوتوبيس الأخضر (الذي يعلق في أزمات المرور بالساعات) بين مدينة نصر و التحرير . أفكر في كل الأغنيات الطويلة التي تسليني ، و في المساحة الخالية على جهاز الـ آي بود الصغير الذي أملكه ، أفكر في كل الأهل و الأصدقاء الذين أتمنى يوماً أن أذهب و أقابلهم ، و أفكر في أن أدعوهم على الغذاء ، أطهو لهم وجبة خفيفة و جميلة ، و نجلس و نتحدث طويلاً حديثاً نقياً ، لا شوائب فيه ، و لا رسائل من تحت الترابيزات
أفكر في أبي ، و أنه قريباً سيتقاعد ، و أن كل شيء سيختلف بالنسبة لي وقتها ، و أنني سأشبع أبوة أخيراً . و سأنال من الدلال الناضج من الآباء لبناتهم بعد أن صاروا كبيرات - آباء مثل أبي ، و بنات مثلي. عليَّ أن أفكر فيما سأستطيع أن أفعله من أجله هو و أمي كي يعيشا فترة تقاعد هادئة ، دون قلق أو خوف علينا
أفكر في أبي ، و أنه قريباً سيتقاعد ، و أن كل شيء سيختلف بالنسبة لي وقتها ، و أنني سأشبع أبوة أخيراً . و سأنال من الدلال الناضج من الآباء لبناتهم بعد أن صاروا كبيرات - آباء مثل أبي ، و بنات مثلي. عليَّ أن أفكر فيما سأستطيع أن أفعله من أجله هو و أمي كي يعيشا فترة تقاعد هادئة ، دون قلق أو خوف علينا
و أخص الرجل الذي أحب بفكرة أو اثنين ... و أرسل له الابتسامات في الهواء .و أرى أنني قد حدث لي ما سمعت عنه من الآخرين - أتمنى له السعادة ... فقط هكذا ، بدون عقد أو كليشيهات
تهرب مني الساعات و أنا أفكِّر
...
و في وقت مثل هذا أجده محدقاً فيّ عيناً بعين. تقدَّمي و سأتقدَّم . كل من تتمنين سماع أصواتهم ، و كل هؤلاء الذين تعلمين أنهم يتمنون سماع صوتك . كل ما عليك أن تفعليه. كل الأماكن التي تريدين رؤيتها . كل ساعات التي تنقضي و أنت تمشين من مكان إلى آخر ، كل الأغنيات التي تحبين ، كل الأفلام التي عليك أن تشاهديها ، الكتب بجوار سريرك التي لا تعلمي مصائر أبطالها بعد. ملابسك التي بحاجة للذهاب إلى الخياط كي تضيق ... طبق وجبة الغذاء المغطى بورق الألومنيوم الذي ينتظرك في الفرن
كل هذا من الممكن أن ينتهي ... باختيارك أن تتقدمي بضع خطوات
...
كل أسبوع ، أشعر بالموت يحدق فيّ و أنا أعبر الطريق ليلاً من على يمين شارع عباس العقاد إلى يساره . و أضواء السيارات ترمقني و تمر من أمامي مسرعة ، كأنني علي أن أختار ... أي منهم ستكون أكثرهم رفقاً بي ؟