Friday, October 11, 2013

سـوء فـهـم


"احذر سوء الفهم ، فإنه أكثر خطورة من الجهل"
- جورج برنارد شو

أفضل لحظات في حياتي كانت لحظات اكتشاف أن ما كنت واثقة منه فيما مضي ، كان خطـًأ. كلها اكتشافات مجزأة على فترات طويلة. تغيرت وجهات نظري في الكثير من الأشياء و الأشخاص. و أشياء كثيرة عن نفسي كنتُ واثقة منها ... لكن مع مرور الوقت الكافي ، صارحتُ نفسي ببعض الحقائق ؛

كل ما كنت أقوله و أنا صغيرة عن أنني "لا أهتم لما يعتقده الآخرون فيَّ" ليس حقيقيًا.

في الحقيقة ، أصبحتُ أجده شيئـًا شيِّقاً أن أعرف ما يفكره البعض عني. و ما اكتشفته هو الشواهد التي تثبت أنني دائمًا - و ليس أغلب الوقت - يراني الآخرون على أنني شخص أخر. و يكون رد فعلي على ذلك بإحدى الطريقتين ، إما المبالغة فيما أفعله كي أشوِّش عليهم الرؤية أكثر و أكثر ، أو ... أن يجن جنوني. و ذلك يتوقف على مدى أهمية الشخص بالنسبة لي ؛ كلما كان قريبًا إلى قلبي ، كلما أُصبـِح أكثر غضبًا.
***
أعرَّفكم بنفسي ...
في الأيام المشمسة ، أمتنع عن الخروج نهارًا في حالة نفاذ الصن بلوك. و أذهب للجري وقت طلوع الشمس لمدة 45 دقيقة مرتان أسبوعيـًا...

أنا أعد إفطاري بنفسي ، لا أحب الطماطم بعد أن تسقط منها بذورها ، و لا أحب الكاكاو المضاف إليه ماء.أنا لا أمد يدي في أعمال المطبخ في حالة عدم وجود جوانتي المطبخ - تسبب أعمال المطبخ الجفاف ليدي ... و زوال لمعة طلاء الأظافر. أنا أدفع أكثر من مائتي جنيه لأشتري شريحة رقيقة أضعها كـفـَرش لحذائي. و أكثر من أربعمائة جنيه لأشتري حمالة رياضية لصدري. أنا أتحدث بالانجليزية أمام الخادمات في بيت جدتي ، و أصد كل محاولاتهن في المزاح معي و أصر على أن تناديني كل منهن بلقب ما قبل اسمي : آنسة ، أستاذة ، بشمهندسة...

أنا أقضي ساعات في المحلات مُمسِكة بقطع الملابس من التيكيت ... و أقرأ إرشادات الغسيل حتى آخر كلمة ، و أحرص على متابعة غسيل ملابسي بنفسي ، و نادرًا ما أشغـِّل الغسالة و بها قطعة غريبة عليّ وسط ملابسي ... فقد ينطلي لونها على الملابس. كما أنشر غسيلي بنفسي حرصًا على أن أضع المشابك على عمق معين كي لا تمس قطعة المعدن بالمشبك أي قطعة من ملابسي كي لا ينطلي عليها أي صدأ.

أنا أقضي ساعات هائمة على وجهي في السوبر ماركت ، و أقف طويلاً أحدِّق في الرفوف . أملك الكثير من الوقت لكل هذه الأشياء... لكنني لا أعرف عواصم المحافظات في مصر ، و قبل شهور قليلة كنت أظن حلايب و شلاتين تقع بالقرب من رشيد و إدفينا.

ماذا يمكنك أن تقول في مثل هؤلاء الفتايات ؟ كما يقولون عني ... أنا "معوُّوجة" ،و "لسة صـُغـَيـَّرة" ، و "مِـدَلـَّعـَة"

أعرفكم بفتاة تبدو مثل هؤلاء الفتيات ...
البعض ينامون ليلاً على صوت الموسيقى ، و آخرون على صوت تكات الساعة ، و أخرون على صوت التكييف ، أما هي فتنام على صوت قناة اليورو نيوز و تنام على إضاءة التلفزيون للغرفة. تستيقظ في الصباح تعلم كل أخبار العالم في مقتتفات مختزلة. لا تسعى خلف التفاصيل ، و لا تخوض في نقاشات حول أي خبر من الأخبار. و إضافة إلى ذلك ، ذاكرتها بها الكثير من الثقوب الواسعة التي تسقط منها أسماء الرؤساء و المسئولون و العواصم ... و أحيانًا تسقط الأخبار بالكامل. لكنها تعلم عن ظهر قلب كل النظريات التي تفسر انقراض الديناصورات ... تعلم نظريات تطابق و تشابه المثلثات ... تعلم القصة الغريبة وراء اختراع حلوى الكرواسون.

هذه الفتاة تسير وسط السوبر الماركت و هي تقبض على يدها خوفاً من أن تزيد المشتريات عن المال المتوفر ، تتفحص و تدقق في العروض التي يقدمها السوبر ماركت ؛ إثنان و واحدة مجاناً ، زجاجات الزيت الـ3 لتر بنفس ثمن شراء زجاجتين 1 لتر ...  تبحث وسط الأشياء عن سكين حاد صغير رخيص كي تقطع به الطماطم دون أن تتحول إلى عصير. و تقف أمام قسم الفوط الصحية تختار و تقارن بين كل الأنواع و العروض الجديدة ؛ اثنان بسعر واحدة  ... و تشتري كريم ليدها و جسمها ، و تشتري جوانتي مطبخ الأصفر من المقاس الصغير...و هي تعلم أن للأصفر عطر ليمون يعلق باليد ، بينما للأزرق رائحة توت تشبه لرائحة دواء السعال. تفتح كيس الجوانتي و تشم رائحته قبل الشراء... هذه الفتاة عندما كانت مراهقة كـَسر شاب قلبها ، وشعرت بأنه أهان أنوثتها عندما أخبرها أن يدها ليست بنعومة أيادي الفتايات الأخريات.

هذه الفتاة أول ما بدأت تركب مواصلات كانت بالصف الأول الثانوي ، كانت تركب تاكسي كي تذهب للدرس الخصوصي ، و كل مرة إما تحدث مشادة بينها و بين السائق حول الأجرة التي أخبرتها أمها ألا تزيد عنها ، أو يحدث و أن تركب مع سائق مريب - يقود السيارة و هو كاشف جزء من جسمه! الآن تركب المواصلات العامة ، أو تأخذ سيارتها الصغيرة أو تأخذ عجلتها الحمراء الجميلة أو تسير في كل مشاويرها ، لا تتذكر أنها يومًا ذهبت إلى مكان ما ، و نزلت من المواصلة/السيارة/العجلة و لم تمش. تقرر أن تسير دائمًا لأن في السير متعة ، و لأن السير يعطي بركة في الوقت ، و يبعدها عن قلق انتظار المواصلة ، أو توتر القيادة ، أو التعرق الشديد من ركوب العجلة. مع مرور السنوات و المشاوير عليها ، أصبحت قدمها تتألم و تطقطق مع الحركة ، فذهبت إلى دكتور متخصص في أمراض القدم و صناعة النعول الطبية المناسبة لإصابات و عيوب القدم... اشترت نعلاً من السليكون ، و عاودت عادتها القديمة في السير دون حساب للمسافات
"Distance is no problem" مع المشاوير التي تضع لها النعل ، و تضع لها السماعات في أذنها.

كانت تدخن. و رغم أنها كانت تحب التدخين إلا أنه كان يحرمها من الأوقات الطويلة التي تقضيها في ممارسة الرياضة بمفردها أو مع آخرين. كان حاجز بينها بين هذا النوع من اللهاث. و لم تكتئب عندما كانت تقلع عن التدخين بقدر اكتئابها عندما تبتعد عن الرياضة. الرياضة كانت المنقذ اللطيف لها من السجائر... دون عناء حقيقي ، تركت هذه و ذهبت لتلك. منذ الطفولة و هي تحب الرياضة و تنط على الحبل ، و تجري ، و تركب العجل ، و تمارس تمارين البطن و تمارين المرونة. تتمرن لساعات طويلة حتى تتلاحق أنفاسها و تشعر بقلبها ينبض في أطراف أصابعها. هكذا تشعر بالسعادة ...لكن من المؤلم للغاية أن تقفز كل هذا القفز دون حمالة صدر رياضية ذات جودة عالية و عمر طويل.

هي في النهاية فتاة تعمل ... و راتبها المتوسط لا يكفي كل هذا الترف ... فتتابع بحرص مواعيد التخفيضات و تقبض يدها بالشهور حتى يصل موسم التخفيضات ، و تتصطاد القطع واحدة تلو الأخرى. تقضي وقتـًا طويلاً في غرف القياس بالمحلات ، تأخذ قرارات الشراء ببطء و تردد شديد و بعد الكثير من التفكير و المفاضلة ... لأنه وقت التخفيضات ، البضاعة المباعة لا ترد ولا تستبدل. لذلك فكل قطعة ترتديها ، قضت ساعات من العمر تقرر ما إن كانت ستشتريها.
ينشرح قلبها حين تقرأ على التيكيت داخل الملابس
Fine Egyptian Cotton.
تسعد باسم بلدها على تيكيت الملابس. و ترى أحيانـًا أن وطنيتها ستتلخص في شراء القطعة المصرية بدلاً من القطعة التركية ، و تفعل ذلك دون تردد . بكل وطنية تشتري القطعة ، و تنصرف بالكيس من المحل ، و موسيقى رأفت الهجان ترتفع في أذنها.

هذه الفتاة كانت لازالت في السنوات الأولى من الحياة المهنية ، و وقتها كانت تعمل و هي تدرس بالجامعة و لم تكن مجبرة على ذلك ماديًا على الإطلاق ، و في ذلك الوقت كانت تتعمد التبسـُّط مع مَن هم أقل منها في العمل ؛ عمال و عاملات النظافة ، و من يعدون الشاي و القهوة ... و مع الوقت رأت بالتجربة أن رفع الكلفة مع البسطاء جعلهم يتطاولون عليها ، إما بالتدخل في شئونها ، أو بالتبجح معها و رفع أصواتهم عليها عندما يطرأ ظرف تتوتر فيه الأمور ... و بعدما تقدمت بها السنوات أدركت الفرق بين وضع الحدود ، و بين التعالي على البسطاء من الناس ... فأصبحت تتركهم يأخدون عنها انطباع أنها جافة و متعالية ، و من ناحية أخرى أصبحت تعلم كيف تكرمهم و تحسن معاملتهم بطرق أخرى تجعلهم يفهمون بالضبط أين تريد أن تضعهم ، و كيف يكسبون ودَّها.

و هي متواجدة في التجمعات العائلية ، و تجمعات الأصدقاء الجدد و القدامى ، و رغم عملها الذي كان يهدر كل يومها كانت تتصرف و تخلق الفرص لنفسها كي تكون حاضرة. و هي تحب التجمع مع الأهل و الأصدقاء ، و تكون هذه هي الفرص الحقيقية لها كي تعرف كيف يراها المقربون منها ؟

و كل ما يعلمه الجميع عنها هو أنها لا تمد يدها في أعمال المطبخ إن لم تجد الجوانتي... "الدلوعة". و في حالة ركوب المواصلات لفترة طويلة ، تضع سماعاتها ، و "الرايقة" لا يظهر عليها أي تململ. و "الهبلة" اشترت نعلاً من السليكون يضاهي سعره سعر حذائها نفسه ، و تذهب للجري وقت طلوع الشمس مرتين أسبوعياً..."هية ناقصة خسسان؟"... تقطع الطماطم و الخيار و تضعهم على شكل أشعة شمس حول قرص البيض الأومليت ، و تعد كوب الكاكاو بأكمله من الحليب ..."بتعملي إيه؟ إيه دة؟"

و رغم أن هذا النوع من الانطباعات يعطي نوع من المرح في أوقات المرح ... إلا إنه يكون من مؤلم أن تكون هذه الانطباعات بمثابة حاجز حقيقي بيني و بين من يهمني أمرهم. يخذلونني عندما أرى بسمة على وجوههم و أنا أقول رأيي في أمرِ ما ... "إنتِ مع نفسك إنتِ ...مش ف الدنيا."

***
"أحيانـًا ، يكن في مصلحتك أن يظنك الناس مجنونـًا"
- ذالونيوس مونك

في الحقيقة ، أصبحتُ أراه شيئـًا شيِّقاً أن أعرف ما يفكره البعض عني. و ما اكتشفته هو الشواهد التي تثبت أنني دائمًا - و ليس أغلب الوقت - يراني الآخرون على أنني شخص أخر. لكن حين أفكر بيني و بين النفسي في الأمر ، و مهما كان يهمني أن يرى المقربون مني مدى جديتي و إرهاقي (و سعادتي) في حياتي ... ففي نفس الوقت أرى أن شدة التعب و الضغط في العمل لا يبرر الآداء الكسول في الحياة. و الزيادة في التعقـُّل و النضوج ليس حـُجـَّة لنقص التأنـُّق و الاهتمام بالمظهر ... و أن من لا يسعى وراء الاستمتاع ، لو قضى عمره دون مسئوليات ، سيظل مرهقـًا كسولاً عجوزًا.

و من ناحية أخرى ، أرى أن كون بعض ما أفعله يعد غريبًا على مَن حولي لا يعني أنني قررتُ أن أخوض حروبًا ضد الجميع. و كل هذا لا يمنع كوني أهتم لكيف يراني الجميع.

أرى أن حتى المقربون مهما كانوا يعلمون الحقيقة الخشنة وراء كل ما أفعله في حياتي ، إلا أن مرحي يخفي عنهم مدى جديتي. و سعادتي و استمراري في كل ما أفعله يشعرهم بأنني لا أنضج و لا أتقدم خطوة واحدة إلى الأمام ، بينما هم من يعرفون الحياة الحقيقية ، و المسؤوليات الحقيقية ، و الهموم الحقيقية التي تستحق الاهتمام. و أنا أمامهم طفلة هائمة شاردة تطارد الفراشات حتى ستضلَّ طريقها.

***
و بالنسبة لعواصم محافظات مصر...
فالمنصورة عاصمة الدقهلية
و دمنهورعاصمة البحيرة
و طنطا عاصمة الغربية
و الزقازيق عاصمة الشرقية
و الغردقة عاصمة البحر الأحمر
و العريش عاصمة شمال سيناء
و الطور عاصمة جنوب سيناء

لكنني للأسف لا أعرفهم عن ظهر قلب.

... أما بالنسبة للقصة الغريبة حول اختراع حلوى الكرواسون ، فقد قام بخبزها الخبازون النمساويون كنوع من أنواع الاحتفال بعد أن قام جيشهم بهزيمة الجيش العثماني أثناء محاولته لفتح فيينا ، و استخدموا الشكل الهلالي لأنه الرمز الإسلامي الذي كان موجودًا على العلم العثماني وقتها. و ظلت حلوى الكرواسون ممنوعة من دخول الدول الإسلامية لسنوات طويلة بعد ذلك.

... و كل هذا لا يمنع أنني أحب الكرواسون.

Tuesday, July 23, 2013

لـن أذهـب للـسـوبـر مـاركـت



عندما خلت إليَّ شياطيني بالأمس قالوا لي أنهم لا يشعرون بأي "سـَلسـَلة" ، ألسنا في الشهر الذي تسلسل فيه الشياطين ؟!

رمضان هو الشهر يخلو من الشياطين كما نعلم ، و ما يتبقى داخل كل واحد منا ليس سوى شيطان نفسه. الذي قد يكون له التأثير الأقوى علينا. لكن ، مالي لا أشعر بأي فرق؟

رأيتُ أنني لست شخصًا شيقـًا بالنسبة للشياطين الحقيقيين ، و أن الإغراءات التي يسيطر بها الشيطان على الآخرين لا تشكِّل إغراءات بالنسبة لي ... أو على الأقل لم يعد الأمر كذلك معي ، منذ السنوات الخمس الماضية مثلاً.
بداخلي أحساس بالأمان لأن كل الوسوسة التي تدور في عقلي هي من فعل رغباتي أنا ، و أسعد بأنني - بعقلي الواعي - لا أرى أي اختلاف يطرأ على شخصيتي في رمضان ... لكن عندما أخلو إلى نفسي ، أضحك من هذا الكم من السذاجات ... "حتى نفسي الأمارة بالسوء ، طلعت هبلة"

"لن أقشـِّر الخيار لعمل السلطة " ، "لن أسخن الخبز ، سأتركه يسخن بفعل حرارة المطبخ" ، "لن أذهب للسوبر ماركت ، سأجعل صبي السوبر ماركت هو من يأتي" ، "لن أذهب للجري اليوم ... سأكتفي بنط الحبل" ، "لن أرفع غطاء الحلة كي لا يغريني البخار"

أرى مع مرور السنوات أن أمر الشر ، و الشيطان ، و الأخطاء ... هو أمر مبالغ فيه. كما أرى أنه لا يتعلق بأي نوع من أنواع تحصين الإنسان لنفسه ضدهم؛ الأمر ليس سوى اختيار محض ، بالإضافة إلى الكثير من الحظ  الذي يجعل كل منا على فِطرة ما ؛ و فطرتي هي ما أفعله من تلقاء نفسي  و عقلي منشغل بأمر آخر. و هو ما أعود دائماً إليه في النهاية ، مهما علقت بي من شوائب بعد طول الجري في الحياة ... ماذا ستفعل أنت لو كنت تتحدث مع شخص ما ، و طارت بينك و بينه واحدة من تلك الفراشات الرمادية ... هل ستقتلها ؟ أم ستلف قبضة يدك عليها بحيث تستطيع التنفس حتى تخرج يدك من الشباك و تحررها؟

Wednesday, February 13, 2013

صعبة المـِراس



قالت لي أنها تسير في الحياة الآن معصوبة العينين لكنها ترى الظلام في عينها مقسماً إلى مساحات مظللة ... تماماً كذلك الظلام الذي تراه في عينك عندما تطفيء نور غرفتك بعد أن ترمق الطريق الذي ستسلكه في الظلام نحو السرير .  قالت أنها ترى أين ستضع قدمها و أن كل هذه  الإضاءة تسبب لها المزيد من تشتت الانتباه

"أسير الآن في اتجاه ما لطالما حلمتُ به" ، قالت ، "و أخشى على نفسي من الإحباط " ... و تحيط نفسها طوال الوقت بالأشياء التي تضمن أنها لن تخذلها


"تعلمين أنني أحب الاستماع إلى الأغنيات الفرنسية و أنا لا أفهمها لأنني أحب أن أتخيل ما تعنيه الكلمات ، و أسرح بخيالي ورائها و أجدها ملائمة تماماً لما أتمنى أن تقوله اغنية . و أجد في الأغنيات الفرنسية الكثير من الإرضاء . لذلك لا أحاول كثيراً أن أفهم ما تقوله. لكن أتعلمين ما هو الشيء الوحيد الأكثر إرضاءً لي من ذلك ؟" سألـَت 

ثم أكملـَت : "أن أعرف ما تقوله ، و أجد الأغنيات تقول ما هو أجمل مما كنتُ أتخيله"
 
فردتُ وجهي في ابتسامة واسعة. جلبت هذه الفكرة النور إلى قلبي. أسعد بتلك الأفكار التي تصدر منها من حين لآخر . سعدتُ بتحسن أحوالها ... فقد قالت أنها في يوم من الأيام لاحظت فجأة أنها كانت تنام بدون بكرة مناديل بجوار وسادتها ... و كانت نقطة تحوُّل من وجهة نظري . و اطمئن قلبي عليها - على الأقل تنام دون أن تبكي .

لكنني لم أُثـَبـِّت توقعاتي على أن تظل في حالة التحسن هذه ... فأنا أرى الرجل التي تحبه يتربص بها و يحوم حولها ، حتى بعد أن انتهى أمرهما معاً . أرى أنه ، إن حدث و أصابت عقله بعض الحكمة ، سينجح في جذبها من جديد . و سيبدو الأمر و كأنه أفضل ما يمكن أن يحدث .

... بينما هي تقول أن أفضل ما في العودة إلى قصة حب سابقة ، هو ثقتـِك في أن هذا الرجل سينجح ... الآن أم لاحقاً ... في أن يخذلك بنفس الطرق القديمة

 و تلك الفكرة في حد ذاتها تسبب الاطمئنان - تماماً كأن تغلق عينك و أنت تعلم من أي ناحية ستأتيك اللكمة. هكذا قالت بعد أن عادت له عدة مرات

أظن  أنها ستتمكن من تجنب الكثير من مشكلات حياتها فقط إن توقفت عن أن تتوقع كل هذه التوقعات من الآخرين و من الحياة . و إن توقفت عن وضع سيناريوهات للأشياء التي قد تحدث ، و أنها إن حدثت فعليها أن تحدث بطريقة محددة تم الاستعداد لها مسبقاً

أظن أنها يمكنها أن تكون أسعد ، إن هدأت قليلاً

فقالت بضيق  : 

"أنا صعبة المِراس ! ماذا يمكنني أن أقول ؟!"


***
 
اقتحمتُ شيئاً جديداً و تعلمته الليلة ؛ و هو أنني أكتبُ جيداً عن نفسي باستخدام ضمير الغائب ... يمنحني هذا الضمير درعاً أمام كل كلماتي اللاذعة ، و كل ما لا أحب أن أسمعه عن نفسي

و رغم أنني أعلم أنني كنتُ اتحدث عن نفسي ، لكن ضمير الغائب يضع احتمالاً أمامي أن كل هذه الكلمات قد لا تكون تقصدني أنا بالضرورة ، و أنها قد تنطبق جيداً على شخص آخر أيضاً .

الأمر أشبه بتلك المرات التي تطفيء فيها النور بعد الانتهاء من الاستعداد لسهرة عليك التأنـُّق من أجلها ... و بعد أن تطفئ النور ، تقف لحظة في الظلام ثم تضيء النور مرة أخرى ، و كأنك تطمئن أن شكلك لم يتغير . و أنك أنت كما أنت . لكنك فقط تخشى أن تفقد نفسك في الظلام و تصبح شخصاً آخر لا يشبهك