Tuesday, January 21, 2014

ليس كما يقولون في الأفلام



بالنسبة لي ، العمر لا ينقضي بسرعة كما يقولون في الأفلام ، أرى السنوات تأخذ وقتها ثم تمضي بلطف. عندما أنظر للوراء كي أتذكر نفسي و أنا طفلة ، و أنا مراهقة ، أرى أنني على مسافة عشرات و عشرات من السنوات التي تفوق عدد سنوات عمري بكثير ... لعل السر يمُكن في كوني أتذكر كل شيء حدث حولي.

أتذكر أول برطمان جيل اشترته لي أمي منذ سنوات تبدو لي و كأنها منذ أكثر من ثلاثون عاماً ... و كانت أول سنوات لظهور الجيل ، و لم ترغب أمي في أن تجعلني استخدمه خوفاً على شعري ، إلا إنها اشترته لي و في قلبها نية أن تتركني استخدمه على فترات متباعدة ... لكنني اعتقد أنها اشترته أيضاً كي تـُرضي فضولاً ما داخلها تجاه ذلك المنتج الرائج الملوَّن.

وكان برطماناً كبيراً بغطاء أسود ، و يظهر الجيل من خلاله أزرق صريح . أحببتُ رائحته ، لكن بعد تجربة و أخرى توقفت عن استخدامه ، و كنت أفتحُ البرطمان كي أشم رائحته من وقت لآخر ، و كنت أرفعه إلى عيني و أنظر من خلاله و في داخلي قناعة أنه هناك ثمة شيء ما عالق بداخله. شيء لا يتحرك. كنت أحرك البرطمان يميناً و يساراً ، أرفعه لأعلى و أنظر من أسفله. و كنت متأكدة أن ذلك الشيء سأراه فقط إن فرغ البرطمان...

و لأنني فقدتُ الاهتمام به مبكراً ، ظل ذلك البرطمان لدينا فترة مرت عليّ و كأنها أكثر من خمسة عشر سنة... خلال تلك الفترة كان يراودني حلم من وقت لآخر بأشكال مختلفة ؛  

كنت أحلم أنني قفزتُ من مكان ما ، و سقطتُ في شيء ما لزج القوام جميل الرائحة و لونه كلون البحر في المناطق العميقة ... أدرك فيما بعد أنني سقطتُ في برطمان الجيل ، و أن ذلك الشيء الذي كنتُ أراه عالقاً بداخله كان أنا. في بداية الحلم أسعد بذلك الاكتشاف نفس تلك السعادة التي تغمرني حين أحل أحد الألغاز ، و لكن بعد بعض الوقت تخفت السعادة ، و أبدأ ببطء في اكتشاف حقيقة ما و أنا أحلم ، أكتشفُ أن داخل كل برطمان جيل هنالك شخص عالق ، و أن الجميع سيسقط في برطمان جيل عاجلاً أم آجلاً ...سنعلق داخل ذلك القوام الهلامي الذي سيتركنا نتحرك حركة بسيطة ، و لكن من شدة ضيق الحركة ، سنشعر أننا تجمدنا و تجمدت الأشياء من حولنا ، لكننا لازلنا على قيد الحياة . في الحلم ، لا أشعر بأي خطر أو قلق على حياتي ، رغم أنني سقطتُ في الجيل حتى غمرتُ رأسي ، لكنني لا يراودني أي شعور بالغرق. 

رغم أنني في حلم لا أشعر بأي شيء ، إلا أنني كنتُ استيقظ منه في حالة فزع ، و أسترجع الحلم في ذهني مرة بعد مرة ... أبحث عن شيء ما - متى كانت اللحظة التي قررتُ فيها أن أستسلم؟ 

كان الفزع من كوني فاتتني لحظة الاستسلام دون أن ألاحظ أو أقاوم يفوق فزع تجمد حركتي نفسه!

و بعودتي للعالم الحقيقي ، أظل أتحرك بنفس الاكتشاف ، أنني سأستمر في الحياة كما أريد. و لكن بداخلي يقظة ما من أن أتوقف عن الحركة و أستسلم للأشياء التي تثقل حركتي و تثبتني في مكاني... و بداخلي قناعة أنها ستحدث عاجلاً أم آجلاً ...

أشعر أنني بعيدة كل البعد عن ذلك الشعور بأن الحياة تمضي و أنا ثابتة في مكاني ، أو أحاول اللحاق بها ... في حين أنني أرى كل مَن حولي و في مثل سني يشعرون بذلك . من وقت للآخر أخشى أن يكون هنالك شيئاً ما لا أعرفه عن الدنيا ، و يعرفه الجميع ... لكنني أمر بذهني سريعًا على كل ما يحدث حولي ، و أرى أنني لم يفتنِ أي شيء ... و أنه لعلهم هم من فاتتهم لحظة اليقظة قبل أن يستسلموا للأشياء التي أثقلت حركتهم و تبتتهم في أمكانهم داخل برطمانات جيل أخرى.